سورة محمد - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}
ولبيان المناسبة وجوه:
الأول: هو أنه تعالى لما قال: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] قال: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله} يأتي بالساعة، كما قال تعالى: {أَزِفَتِ الآزفة * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} [النجم: 57، 58].
وثانيها: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} وهي آتية فكأن قائلاً قال متى هذا؟ فقال: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله} فلا تشتغل به واشتغل بما عليك من الاستغفار، وكن في أي وقت مستعداً للقائها ويناسبه قوله تعالى: {واستغفر لِذَنبِكَ}.
الثالث: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله} ينفعك، فإن قيل النبي عليه الصلاة والسلام كان عالماً بذلك فما معنى الأمر، نقول عنه من وجهين:
أحدهما: فاثبت على ما أنت عليه من العلم كقول القائل لجالس يريد القيام: اجلس أي لا تقم ثانيهما: الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام، والمراد قومه والضمير في أنه للشأن، وتقدير هذا هو أنه عليه السلام لما دعا القوم إلى الإيمان ولم يؤمنوا ولم يبق شيء يحملهم على الإيمان إلا ظهور الأمر بالبعث والنشور، وكان ذلك مما يحزن النبي عليه الصلاة والسلام، فسلى قلبه وقال أنت كامل في نفسك مكمل لغيرك فإن لم يكمل بك قوم لم يرد الله تعالى بهم خيراً فأنت في نفسك عامل بعلمك وعلمك حيث تعلم أن الله واحد وتستغفر وأنت بحمد الله مكمل وتكمل المؤمنين والمؤمنات وأنت تستغفر لهم، فقد حصل لك الوصفان، فاثبت على ما أنت عليه، ولا يحزنك كفرهم، وقوله تعالى: {واستغفر لِذَنبِكَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الخطاب معه والمراد المؤمنون وهو بعيد لإفراد المؤمنين والمؤمنات بالذكر.
وقال بعض الناس {لِذَنبِكِ} أي لذنب أهل بيتك وللمؤمنين والمؤمنات أي الذين ليسوا منك بأهل بيت وثالثهما: المراد هو النبي والذنب هو ترك الأفضل الذي هو بالنسبة إليه ذنب وحاشاه من ذلك.
وثالثها: وجه حسن مستنبط وهو أن المراد توفيق العمل الحسن واجتناب العمل السيء، ووجهه أن الاستغفار طلب الغفران، والغفران هو الستر على القبيح ومن عصم فقد ستر عليه قبائح الهوى، ومعنى طلب الغفران أن لا تفضحنا وذلك قد يكون بالعصمة منه فلا يقع فيه كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون بالستر عليه بعد الوجود كما هو في حق المؤمنين والمؤمنات، وفي هذه الآية لطيفة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له أحوال ثلاثة حال مع الله وحال مع نفسه وحال مع غيره، فأما مع الله وحده، وأما مع نفسك فاستغفر لذنبك واطلب العصمة من الله، وأما مع المؤمنين فاستغفر لهم واطلب الغفران لهم من الله {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} يعني حالكم في الدنيا وفي الآخرة وحالكم في الليل والنهار.


{وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)}
لما بيّن الله حال المنافق والكافر والمهتدي المؤمن عند استماع الآيات العلمية من التوحيد والحشر وغيرهما بقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [محمد: 16] وقوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] بين حالهم في الآيات العملية، فإن المؤمن كان ينتظر ورودها ويطلب تنزيلها وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشيء من العبادة خوفاً من أن لا يؤهل لها، والمنافق إذا نزلت السورة أو الآية وفيها تكليف شق عليه، ليعلم تباين الفريقين في العلم والعمل، حيث لا يفهم المنافق العلم ولا يريد العمل، والمؤمن يعلم ويحب العمل وقولهم: {لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ} المراد منه سورة فيها تكليف بمحن المؤمن والمنافق.
ثم إنه تعالى أنزل سورة فيها القتال فإنه أشق تكليف وقوله: {سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} فيها وجوه:
أحدها: سورة لم تنسخ ثانيها: سورة فيها ألفاظ أُريدت حقائقها بخلاف قوله: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] وقوله: {فِى جَنبِ الله} [الزمر: 56] فإن قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4] أراد القتل وهو أبلغ من قوله: {فاقتلوهم} [البقرة: 191] وقوله: {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [النساء: 91] صريح وكذلك غير هذا من آيات القتال وعلى الوجهين فقوله: {مُّحْكَمَةٌ} فيها فائدة زائدة من حيث إنهم لا يمكنهم أن يقولوا المراد غير ما يظهر منه، أو يقولوا هذه آية وقد نسخت فلا نقاتل، وقوله: {رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} أي المنافقين {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت} لأن عند التكليف بالقتال لا يبقى لنفاقهم فائدة، فإنهم قبل القتال كانوا يترددون إلى القبيلتين وعند الأمر بالقتال لم يبق لهم إمكان ذلك {فأولى لَهُمْ} دعاء كقول القائل فويلٌ لهم، ويحتمل أن يكون هو خبر لمبتدأ محذوف سبق ذكره وهو الموت كأن الله تعالى لما قال: {نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} قال فالموت أولى لهم، لأن الحياة التي لا في طاعة الله ورسوله الموت خير منها، وقال الواحدي يجوز أن يكون المعنى فأولى لهم طاعة أي الطاعة أولى لهم.


{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)}
ثم قال تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ}.
كلام مستأنف محذوف الخبر تقديره خير لهم أي أحسن وأمثل، لا يقال طاعة نكرة لا تصلح للابتداء، لأنا نقول هي موصوفة بدل عليه قوله: {وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} فإنه موصوف فكأنه تعالى قال: {طَاعَةٌ} مخلصة {وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} خير، وقيل معناه قالوا: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} أي قولهم أمرنا {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} ويدل عليه قراءة أُبي {يَقُولُونَ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ}.
وقوله: {فَإِذَا عَزَمَ الأمر فَلَوْ صَدَقُواْ الله لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ}.
جوابه محذوف تقديره {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} خالفوا وتخلفوا، وهو مناسب لمعنى قراءة أُبي كأنه يقول في أول الأمر قالوا سمعاً وطاعة، وعند آخر الأمر خالفوا وأخلفوا موعدهم، ونسب العزم إلى الأمر والعزم لصاحب الأمر معناه: فإذا عزم صاحب الأمر. هذا قول الزمخشري، ويحتمل أن يقال هو مجاز كقولنا جاء الأمر وولى فإن الأمر في الأول يتوقع أن لا يقع وعند إظلاله وعجز الكاره عن إبطاله فهو واقع فقال: {عَزَمَ} والوجهان متقاربان، وقوله تعالى: {فَلَوْ صَدَقُواْ} فيه وجهان على قولنا المراد من قوله طاعة أنهم قالوا طاعة فمعناه لو صدقوا في ذلك القول وأطاعوا {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} وعلى قولنا {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} خير لهم وأحسن، فمعناه {لَوْ صَدَقُواْ} في إيمانهم واتباعهم الرسول {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10